كيف تأقلمت طالبتي الصغيرة مع السكري؟

 إن تقبل وجود مرض مزمن هو أمرٌ صعب جداً، خاصة حين يكون المريض طفل صغير يستقبل من عمره أكثر مما يستقدم!

ومن الممكن أن يصل الأمر بأهل الطفل إلى النكران ورفض التشخيص، على أن ردة الفعل هذه لا تنفي حقيقة وجود المرض وضرورة التعايش معه وتقبله، فيتَّبع الكثير من أولياء الأمور مع أطفالهم نمط حياة مختلف لمساعدتهم على التأقلم والاستمرار، وهذا ما ينفع حقاً!

وأنا من موقعي كمرشدة تربوية، من الممكن أن أتحدث مطولاً عما يعانيه الأطفال المصابين بأمراض مزمنة وعن طرق التقبل والتأقلم في البيت والمدرسة والمجتمع، لكني أرى أن سرد قصة حقيقية ناجحة بكل المعايير، شهدت تفاصيلها وكنت مشرفة عليها شخصياً، ربما يكون أقرب للقارئ، فيدرك الأثر الإيجابي الكبير الذي ينتج عن تقديم الدعم والاحتواء لهؤلاء الأطفال.

القصة هي لإحدى الطالبات في المدرسة التي أعمل بها كمرشدة تربوية، طالبتي الرائعة شيخة الكعبي.. في كل مرة أتحدث فيها عن شجاعتها وطريقة تعاملها مع مرضها أشعر بالفخر والامتنان لها لأنها أرتني حياةً أخرى مختلفة تماماً عما رأيت.. شيخة علمتني الكثير.. وها هي قصتها أسردها لكم على لسانها:

“مرحباً، اسمي شيخة الكعبي، بدأت قصتي في 14 من تشرين الثاني من العام 2011، أي قبل ثمان سنوات من الآن.

كنت طفلة عادية ألعب وأمرح كغيري من الفتيات، حتى جاء ذلك اليوم الذي اكتشفت فيه ما غير حياتي وقلبها رأساً على عقب!

بدأ الأمر بملاحظة عائلتي لبعض الأمور والأعراض التي بدأت بالظهور علي، فقد كانت أمي تحرص أن ندخل جميعنا أنا وإخوتي لقضاء الحاجة قبل الخروج إلى أي مكان، لكن وبعد أن نخرج بفترة بسيطة كنت أنا الوحيدة فقط من يطلب الذهاب للحمام مرة أخرى، ظن أهلي أن هذا أمرٌ طبيعي بالنسبة لطفلة لم تتجاوز السابعة من عمرها!

أما عندما كنت أعود من المدرسة، كان يصيبني التعب والغثيان خاصة بعد صعودي للدرج، وكنت أشعر برغبة كبيرة في النوم طوال الوقت، وفي أحد الأيام عندما اقتربت من أمي لأحضنها وأقبلها، لاحظَت رائحة غريبة لجسمي وصفتها برائحة فاكهة فاسدة!، بالإضافة إلى خسارتي للكثير من وزني.

في البداية لم يخطر في بال والدتي أن مرضاً خطيراً قد ألمّ بي، فقد أخذتني إلى العديد من الأطباء وأجرت لي كافة الفحوصات الاعتيادية دون أي نتيجة واضحة.

ازدادت حالتي سوءاً دون أن نعرف الأسباب حتى أجرت لي والدتي فحص الدم (A1C) – تحليل السكر التراكمي في الجسم.. وكانت النتيجة أنني أعاني من السكري!

في تلك اللحظة أصيبت أمي بالذهول والصدمة، ولم تتقبل حقيقة الأمر، أن طفلتها الصغيرة ستعيش واقعاً جديداً مؤلماً.. أذكر أنها كانت بائسة.. بائسة جداً، إلا أن والدي كان أكثر تماسكاً، وكان متقبِّلاً وداعماً لنا، الأمر الذي خفف عنها وعني وقع هذه الأخبار الصادمة.

بعد ذلك قرر الطبيب أنني يجب أن أبقى في المستشفى لمدة أسبوع، وخلال تلك الفترة تعلمنا طريقة أخذ إبر الإنسولين  والتحكم بنسب الكربوهيدرات في الجسم، كما أنني التقيت بعدد من العائلات الذين يعاني أطفالهم من السكري مثلي، فكان من أمي أن ذهبت إليهم لتخفف عنهم وتطمئنهم أنهم سيتخطون هذه المحنة بنجاح، وعندما غادرت المستشفى أذكر أنني كنت سعيدة ومتحمسة جداً لعدد الهدايا التي حصلت عليها وأنا هناك.

تواصلت أمي مع مدرستي وأخبرتهم عن حالتي، فكان ما قدموه لي من دعم وتفهم وتسهيلات شيئاً لا يمكن أن أنساه طيلة حياتي، فقد تولوني بالرعاية منذ اليوم الأول، وكانوا يتعاملون مع كل حالات انخفاض أو ارتفاع السكر التي كانت تصيبني فيقدمون لي الإسعاف اللازم، كما أنهم كانوا متفهمين لحاجتي الملحة أحياناً للشرب أو قضاء الحاجة.

وفي حصة التربية الرياضية كانوا يطمئنون ويسألون عن حالتي الصحية بشكل مستمر للتأكد من قدرتي على إكمال التمرين.. نعم كنت محظوظة جداً بمدرستي وبهذا الاهتمام الكبير الذي حظيت به، حتى أنهم إذا فاتني موعد زيارة الطبيب كانوا يذكرونني به، ويتأكدون أني في صحة جيدة.

كان علي أن أغير نمط حياتي إلى آخر أكثر صحة، مارست التمارين الرياضية بشكل يومي، وشربت كميات صحيحة من الماء، وكنت أفحص نسبة السكر في دمي على الأقل 6 مرات يومياً، بالإضافة إلى إبر الإنسولين التي كنت آخذها في موعدها دون تأخير، كنت أزور عيادة الطبيب أسبوعياً، ومن ثم تضاءلت زياراتي فصرت أزوره بشكل شهري.

في إحدى المرات عندما أجريت فحصاً للدم، استدعتنا الطبيبة لتخبرنا أنا ووالدتي بالنتائج، فقالت: “مبروك، إن نتيجة شيخة لفحص ال HBA1C هي 6 – أي ضمن المعدل الطبيعي للسكر التراكمي في الجسم)”.. عندها شعرت بالفخر وبالحماس بشكل لا يصدق، أعترف بانها كانت مهمة صعبة جداً، خاصة وأن هذا المرض قد زارني وغير حياتي وأنا في عمرٍ صغير.

إن عيش الإنسان مع وجود مرض مزمن لا يعني أبداً أن يسمح له بالسيطرة على حياته، وإنما على العكس تماماً، عليه هو أن يتحكم بالمرض ويسيطر عليه. بالنسبة لي وبعد كل الذي مررت به، أحلامي لم تتأثر بل ازدادت رونقاً وجمالاً، أؤمن أن كل شيء يحدث لسبب في هذه الحياة، فقط علينا أن نتحلى بالإيمان ولا شيء غير الإيمان.”   

الرسالة التي أود توجيهها للأهل والمعلمين بعد مشاركة قصة طالبتي، بأن المسؤولية تقع على المجتمع عموماً والأسرة تحديداً أن يلعبا دوراً إيجابياً تجاه الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة من حيث التقبل والدعم النفسي والمعنوي، فلا يشعر الطفل بأوجاع المرض والعزلة معاً، وإنما يعيش في مجتمعه ويمارس حياته الدراسية والمجتمعية كأي إنسان طبيعي.

أما أن يبقى الطفل طريح الفراش ومتغيباً عن المدرسة ومتخلفاً عن كافة النشاطات المجتمعية التي يمارسها أقرانه من الأطفال، فهذا بلا شك سيؤثر سلباً على نفسيته وتقبله للمرض ويؤدي إلى تدهور في حالته الصحية والنفسية معاً!

المصدر: www.360moms.net/ar

هل وجدت هذا مفيدا؟

نعم
لا
محايد
2 people found this helpful

ساهم بإثراء النقاش حول هذا المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *